القلق الدائم هو شكل من أشكال النضج، نحن ننضج بمرور الخيبات، الأقنعة، والكثير من الدموع، ليس لأنّ عداد العمر لا ينتظر أحدًا، ولا يأبه بما تمليه عليك القبيلة، بل لأنّ خلف الهدوء قرارات صارمة في ضبط النّفس، دون مراعاة الجنود التي تقاتل في الداخل، ودون وعي من أن التراكم سيولّد انفجارًا، لكنه صامت أيضًا..
يا أصدِقاء
لا تنسوا الرفاق القُدامى في خِضَمِّ بهجاتكم، لا تديروا لهم وجهًا أسودًا؛ لأنهم ما زالوا يَسْتَجْدُونَ سماواتهم في حين أنّ سماءكم أمطرت، وأخرجت لكم الأرض من خيراتها.
يا أصدقاء
هذه الوحدة التي خلفتمُوها لنا والأحلام الشحِيحة، التي ما زلنا نقتاتُ منها بعد رحيلكم وبقايا الذاكرة التي اقتسمنَاها فيما مضى، ستكفينا.
لكن أرجوكم، لا تسلِبونا صوركم الجمِيلة القديمة
لا تسلبونا بهجة أن نذكُركم بِخير
لا تنزعوا منا أحزاننا الصغيرة، التي لا تطيقونها، لأنها تذكركم بماضيكم.
وإن أردتم يومًا أن تأبهوا بنا، ستجدونا بانتظاركم على ذات الرصيف نبتسم لكم؛ كمَا لو أنَّكم لم ترحلوا أبدًا.
كمّ مرّة قلنا أنّ الصباحات لا جدوى منها ما دامت تجبرنا على خلع قلوبنا مع البيجامة فور القفز عن السرير، كمّ مرّة قلنا أن هذا يوم سيء: الشّاحن قرر الاختفاء، النظارات الشمسيّة موجودة فوق رؤوسنا ونبحث عنها، القهوة تسبح فوق القميص، وقطّة عنيدة ترفض النهوض من تحت عجلات السيّارة، كم مرّة قلنا أن بعض الصباحات، تحمل نكهة العتمة، تضيء على الكون.. لا على أرواحنا، وتعطي الجميع حقه إلّا وجوهنا المتعبة. كم مرّة قلنا أنّ الصباحات ضدنا، ضدّ رغباتنا في الغيبوبة، لكن تبقى وحدها العلاج بعد كلّ حفلة تصدّع قلوبنا في ليلٍ مضى.
أجرجر ذاكرتي القديمة والجديدة إلى مزبلةٍ ضخمة مزبلةٌ من ورق ..اُلقي بكل ما أتذكّره في حاويةٍ أنيقةوأعود إلى فراشي أستيقظ صباح اليوم التالي وقد نسيتُ الأمر ..!