الموضوع: قرية بلاقمر
عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 12-14-2010, 04:45 PM
لاتنسوني من دعآئكم أذكروني في سجودكم
سمو المشاعر غير متواجد حالياً
Saudi Arabia     Male
لوني المفضل Cadetblue
 عضويتي » 9
 جيت فيذا » Apr 2010
 آخر حضور » 09-22-2013 (07:31 PM)
آبدآعاتي » 3,689
الاعجابات المتلقاة » 27
 حاليآ في » لاتنسوني من دعآئكم أذكروني في سجودكم
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه
جنسي  »  male
آلقسم آلمفضل  »
آلعمر  »
الحآلة آلآجتمآعية  »
 التقييم » سمو المشاعر is on a distinguished road
مــزاجي  »
مشروبك
قناتك
اشجع
بيانات اضافيه [ + ]
48 قرية بلاقمر



قرية بلا قمر



قلت مخاطباً صديقي :
هيا بنا نتجول في أحداق و شرايين هذهِ القرية المسكونة بأرواح الراحلين عنها ، و الساكنة فوق رفات سواعد من بناها ، و من كتب لها الاسم و الميلاد و نصب لها شيخاً تتحدث بلسانه ، فكانت حية حين ذاك برؤياهم .
دعنا نخاطب ذاك الجدار . .
و نهمس في آنية الفخار . .
و نشم أزهار الفل و الريحان . .
و نستمع لمن نكح الأرض بمعوله . .
فولدت له سنابل قمح ، و نزفت له بدمائهِ وردة حمراء .
خذني بيدي . .
لنصبح ذرات هواء أو قطرات ماء أو أبخرة المواقد , جائعة الشوق والسكن , تتسلل في شرايين هذه القرية بحثاً عن نبضٍ يعيل مسعاها , ثم تخيل بأنها كتاب وتخيلها أمراه وصف لي أيهما قارب الواقع من ماكانت عليه أو ماأصبحت عليه .
فهل هي كتاب . . ؟
حمل التاريخ و الزمن . .
و سطر الميلاد بالتعب . .
و صور الأجداد بالقصص . .
حينما مسحو بصفحاته عرق و جناتهم ، فكتبوا بهِ قصص أحلامنا السعيدة ، و أخرى تبكينا من صراح أمهاتنا حين ولدننا , وقد وضع هذا الكتاب في يدي طفلٍ رضيع أسال عليه عصارات فمه ، فلينه ليصبح فريسة لنعومة أظافره ، فيمزق منه يوم و يمزق منه شهراً و سنه ، إلى أن فقد ميلاده فتعثرت خطاه و تطايرت بعض أجزاءه ، لتكون موطناً تدوسه أقدام البالغين عمراً و الناقصين عقلاً .
أم تُراها صبية . . ؟
أحبت شاباً جاء من المدينةِ كالقلق مهاجراً . .
فبدا لعينيها فارساً بِلا جواد . .
و أميراً بِلا عرش . .
و شاعراً بِلا قلم . .
فرأت منه مالم ترى . .
و سمعت منه مالم تسمع . .
كأنما هوا حلم نست أن تقفل عينيها عليه .
فأسكرتها كلماته . .
و شُل قلبها بوعوده . .
و بأنه . .
سيمحو جهلها بعلمه . .
و سيبني لها على كل قمر قصراً تسكنه . .
و على كل عالم سيكون لها نافذة صبحٍ و شمسٍ تملئه .
فنامت حالمة تحلم و عندما أفاقت طلت وجهها بالألوان ، و حلت جدائلها لمرعى الرياح ، و خلعت عن جسدها ما كان يستره ، و ألبسته ما يعريه ، و انتعلت بقدماها ما على جذورها عن أرضها ، فما عادت تستقي من مائها شيئاً .
ثم ذهبت إليه على غير ما كانت عليه . .
تدور في رأسها طواحين الحصاد . .
كالفنار تشاهد من البعد مالا يراه قارب الصياد .
ولما صارت بين يديه . .
كان له الحصاد فأخذ اللؤلؤة ورمى المحار .
و تركها صدفة يعزف فيها الناي بأنفاس الرياح ، وعاد هوا من حيث جاء وكما جاء مهاجراً كإوز الثلج تاركاً خلفه من تناجيه توسلاً و تقول :
أنت علمتني الحب كي أهديك إياه . .
و أنت قد وعدتني بإنهاء صبرٍ و إشعال شمع . .
و قد جمعتني بين يديك و على شفتيك قبل تجمعي .
فقل لي فما عدت أدري . .!
عُد إليَّ . .
فما عدت أستطيع العودة إليهم . .
فلا أنا الرياحين كما كنت . .
و لن أكون الوردة كما أردت أن أكون .
عُد و خذ مني البقية . .
فأموت و تموت معي الخطيئة .
قالت و أوجزت ، و لكنها ما أصابت ، فقد تلاشي و اختفى كالسراب و انتهى .
فقل لي ياصديقي . .
أيهما أشبه بقريتنا , أكان الكتاب أم هي الصبية أم كلاهما كانا هي . ؟
فهي كتاب لو قرأناه لقرئنا ما بعد أبعاده . .
و ظل سره يخبر نبئاً بوجهِ أسلافه . .
و كنا كالسلالم من المهد إلى الشباب , إلى شيخوخة العمر الزهيد .
و كنا أصبحنا بشراً على غير ما نحن عليه .
و كنا أنا وأنت كما حلمنا أن نكون .
و كنا ما شيعنا الأخلاق . .
و لا حفرنا القبور للضمائر . .
و لمات فقراً . .
ذلك الحانوتي الذي يقتات من صنع التوابيت لقلوبنا البريئة .
و أيضاً هي تلك الصبية التي جاوز المدُ مد عينيها . .
فأغواها صبي المدينة بنشوى اشعاره . .
و ببريق جواهره . .
و بعلو قصوره . .
فتركت من النهار بقية . .
و من الليل أكمله . .
حتى سقط القلم . .
و تأرجحت الأوراق مثقلة بمعانيها . .
و سامر الكهل عصاه . .
و بكى الرضيع من جفاف توائم والدته .
هي قريتي ياصديقي . .
فلو كان لها منا بالصدر مسكن . .
و بالحضن ملجئ . .
و لها بقلوبنا مخبأ . .
لظلت تصطاد لنا من كل ليلٍ نجمة تنتقم منها أعيننا أحلامها الصغيرة .
و لظلت تغسلنا صباحاً بمليء دلوها المقطر بندى أزهارها .
و تسكرنا مساءا برحب رضاها .
و تغمس لنا رغيف الخبز ببسمة و قهقهة تعلوها .
فحين ذاك كانت أماً عذراء في جوفها مائة رحم ، و في كل رحم ينام هنيئاً من هو مثلي و مثلك يا صديقي .
فأنظر الآن إليها و تمعن ، فقد كررت النظر أنا في ليلٍ أشبه بهذا الليل , في يوم من شهراً في سنة قد مضت إلى هذا القمر المتدلي فوق صدرها الرملي المعفر فأدركت بأنها لم تعد تليق بهِ فتمنيت أن أمسك بفرشاة رسمي مازجاً رأسها بلون هذا الليل ثم أمد يدي نحو القمر ليصبح مثله ، مثل هذهِ السماء السوداء ، لتمسي حينها هذهِ القرية ,,, قرية بلا قمر .


مماتصفحت وراق لي




 توقيع : سمو المشاعر


رد مع اقتباس