عندما يصبح فريق كبير بحجم برشلونة الإسباني مبنياً على أساس لاعب واحد فقط، فإن هنالك خللاً كبيراً جداً في منظومة النادي، حتى لو كان هذا اللاعب بحجم ليونيل ميسي الأسطورة، تعلمنا أن الدرس الأول في تاريخ كرة القدم ومستقبلها، أنه لا أحد أكبر من الكيان، مهما كان اللاعب وقدراته وإمكاناته، الكيان سواء كان نادياً أو منتخباً هو الأكبر، والإنجازات والبطولات تأتي وفقاً لما يتم الإعداد والتخطيط له، لكن أن تضع مستقبل فريقك على تواجد لاعب واحد، فهذا خلل كبير.

لعلنا كلنا تابعنا أحداث برشلونة بعد الهزيمة الثقيلة من بايرن ميونخ في دوري الأبطال في القارة الأوروبية، وتولي كومان الهولندي مهمته كمدير فني للفريق الكتالوني، وما أعلنه وبدأ بتنفيذها من سياسة استبدال لاعبين وإحلال جدد، لا شك أن برشلونة يملك لاعبين من طراز عالٍ وفي مقدمتهم ميسي، لكن قد يأتي وقت على كل نادٍ أن يبدأ بعملية تغيير جذرية سواء في التعليمات أو أسلوب اللعب، والأمر ليس ببعيد، حين كان ريال مدريد يمتلك فريق الأحلام، زيدان ورونالدو الظاهرة وبيكهام وفيجو، ومع ذلك فإن هذا النادي لم يحقق إلا بطولة واحدة في دوري الأبطال، وبفترة زمنية بسيطة تم استبدالهم وتغييرهم.

الحديث عن رغبة ميسي بالانتقال وتأكيد النادي على بند الشرط الجزائي البالغ قيمته 700 مليون يورو، حديث يلزم التوقف عنده، أعتقد أن على الاتحاد الأوروبي لكرة القدم التدخل بفرض أنظمة وتعليمات جديدة تؤطر لبنود الشروط الجزائية، مبلغ 700 مليون يورو مبلغ خيالي جداً، وإن كان حدث هذا الخلل في انتقال نيمار من برشلونة إلى باريس سان جيرمان، حين تدخل المال القطري يفرض سطوته متغلباً على قواعد اللعبة الأخلاقية ومتعة كرة القدم، فإن برشلونة يبدو أنه قد أعجبته الفكرة ويريد تكرارها.

وفق التصريحات الأخيرة لا نعلم فعلاً إن كان ميسي قد أصبحت لديه الرغبة الأكيدة في الانتقال ولم يعد يريد البقاء في كتالونيا، ومن وجهة نظري فإن ميسي أخطأ كثيراً ببقائه هذه الفترة في برشلونة، حيث كان يجب أن يرحل بعد تحقيق آخر لقب، وكان عليه أن يبدأ رحلة تحدٍ جديدة في أندية أخرى مانشستر يونايتد أو إسي ميلان أو إنتر ميلانو، كما فعل رونالدو بذهابه إلى جوفنتس، لكن قوة التأثير المادي جعلت ميسي يستمر حتى وصل إلى مرحلة أصبح فيها سلعة لمن يدفع أكثر.

حسب ما هو واضح فإن ميسي باقٍ في برشلونة، ولكن هنا يكمن السؤال المهم، هل ميسي سيعطي أفضل ما عنده أم سيدخل في مرحلة السبات كما يفعل بيل الآن في مدريد؟ وهنا بقاؤه سيكون خسارة جديدة لبرشلونة، برشلونة الذي وفق ما هو في عقده مع ميسي قد مارس حقه، لكنه وفق المنظور الفكري لكرة القدم قد عاند وتعنت، كان الأولى برئيس النادي حين علم برغبة ميسي بالانتقال أن يقول برشلونة ليس ميسي، ومن لا يريد البقاء برغبة فليرحل، لكن الإصرار على الشرط الجزائي خاصة بعد كل ما قدمه ميسي لبرشلونة، ستجعل من المستقبل بأي تعاقد جديد لبرشلونة مع أي لاعب مميز دائماً هنالك محطة عدم ثقة.

في عالم الاحتراف هناك قواعد وشروط ومحيط استثماري، لكن إن لم يكن النادي أكبر من أي اسم لأي لاعب يلعب فيه، فإن هذا النادي يكون عمره قصيراً جداً، حتى لو كنت في الدرجة الثانية أو الثالثة، الكيان هو الأكبر وهو الأهم.

د. طلال الحربي